كتبت/ سهام الخياط:
طرقات ضيقة خاوية تفصل الورشة عن الاخرى .. تحسبها مهجورة.. لولا حركة تظهر كل فترة تكسر الركود من أحد العاملين الباقيين بعد تسريح أغلب العاملين عقب ثورة يناير.
أصحاب الورش جالسين يشاهدون التلفاز أو يحتسون الشاي مع بعضهم أو مع العامل المتبقي معهم.. بعض الورش أغلقت ابوابها للابد وبعضها غير النشاط من الذهب الى الفضة أو النحاس.. وبالرغم من تحسن الاوضاع عقب ثورة 30 يونيو في سوق الذهب وفقا للتجار والمصانع الكبيرة إلا أن الحال لم يتغير على الورش الصغيرة الكائنة بالصاغة في منطقة الحسين.
كان نحو 75% من ورش تصنيع المشغولات الذهبية أغلقوا أبوابهم نتيجة حالة الركود الشديدة التي عانى منها قطاع الذهب عقب ثورة 25 يناير، وتعرض أصحاب الورش لخسائر ضخمة نتيجة غياب الاستقرار وتدني الاوضاع الاقتصادية للمواطنين مما أجبرهم على تخفيض العمالة لأن الارباح المحققة لا تكفي مرتبات العاملين والمصاريف الاخرى من كهرباء وضرائب وفقا لايهاب واصف عضو شعبة الذهب.
كسر الذهب..وغش مصانع بير السلم
“الحال نايم في السوق وأعمل الآن وحدي في الورشة بعدما استغنيت عن العمالة التي كانت لدي لعدم قدرتي على دفع أجورهم بانتظام.” هكذا بدأ كلامه الحاج نادر فكري خليل صاحب ورشة لصناعة الذهب.
وأوضح فكري انه حاليا يعمل في كسر الذهب عن طريق تسييحه وصناعة سبيكة تقدر وفقا لنقاء الذهب فيها ووفقا للاعيرة المختلفة.
ولفت الحاج نادر إلى ان الذهب المصري تراجع أمام العلامات التجارية “الماركات” والتي أصبحت مضمونة اكثر، فالمصانع الاستثمارية لديها “لوجو”، مشيرا الى ان الذهب يغش من قبل ورش بير السلم.
ونبه الى انه عندما تأتي موجة انخفاض لأسعار الذهب يتهافت الكثير على الجنيه الذهب والذي يسهل غشه لانه غير مدموغ فمثلا من المفترض ان يكون تركيز الذهب عيار 21 “875 ولكنه يصنع بتركيز 850.
وحول أجور العمالة، أوضح الحاج نادر فكري خليل ان العمالة تتقاضى 300 جنيه في الأسبوع واكبر مبلغ ممكن لعامل مصري ان يتقاضاه هو 2000 جنيه في الشهر، اما العمالة الأجنبية ( من الهند وسوريا وغيرها ) ،فتتقاضى بالدولار وتصل أجورهم لما يوازي 4 آلاف جنيه وهم عمالة مدربة ويعملون عدد ساعات اكبر من نظرائهم المصريون ويتواجدون في
المصانع الكبرى.
من جانبه، قال يسرى احمد صاحب ورشة تصنيع ذهب إن الورش الصغيرة هي من تشعر بحقيقة الوضع في السوق مرددا “الحال واقف وممكن نشتغل في الشهر شغلة أو شغلتين بحوالي 50 أو 100 خاتم مثلا مقابل 1000 خاتم في السابق.”
واوضح يسري ان المصانع الكبرى لم تتضرر مثلما تضررت الورش الصغيرة، فانا مثلا أقوم بصناعة المشغولات الذهبية في ورشتي وأضعها في شنطة وأمر على المحال في إطار محافظة القاهرة لتبيعها، لكن المصانع تعمل في القاهرة والمحافظات وتشارك في معارض خارج البلاد.
وقام يسري بتخفيض عدد العمال لديه في ورشة تصنيع الذهب للنصف ليعمل الآن هو وأخيه وعامل اخر يدعى محمد، ومحمد كان احد ضحايا سوق الذهب حيث كان والده يملك محل ذهب ومع توقف الحال واغلاق المحل ذهب للعمل مع يسري في الورشة.
الشبكة بدأت في الاختفاء
ولم يختلف الحال عند محمد حسن صاحب ورشة ويعمل وحده، حيث يرى ان “الصنايعي” او العامل الذي يعمل بيديه انقرض وأصبحت المصانع تحتاجه في المرحلة الأولى من المشغولات كالرسم وبعدها يأتي دور الماكينات.
وأضاف حسن ان الحال واقف ولم يختلف بعد ثورة يونيو وان ما جناه من عمله خلال الأعوام الماضية هو ما يسانده الآن، مشيرا الى ان الناس تشكو من ضيق الحال وتبيع ذهبها لتعيش وفي السابق كانوا يشترون الذهب بنهم لان لديهم فائض.
واستطرد حسن قائلا ” في السابق كانت الطرقات تشغي بالزبائن والعمال والان هي خاوية تماما”.
واردف “حتى العريس لم يعد يشتري شبكة مثلما كان يفعل في الماضي ، فالعرسان كانوا يشترون طقما كاملا أما الان فإما يشترى شيئا بسيطا أو لا يشتري شبكة على الاطلاق.
واكد محمد حسن ان تجار الذهب لم يستفيدوا من هبوط أسعار الذهب وذلك لارتفاع أسعار الدولار ، فالتاجر يلجأ الى محلات الصرافة والسوق السوداء لتوفير العملة الخضراء لاستيراد الذهب والتي تزيد عن السعر الرسمي بنحو 8 قروش وذلك يرفع سعر الجرام بنحو 18 جنيها.
حتى الفضة لم تسلم
ولم يختلف الحال في ورش الفضة، فقال مجدى صاحب ورشة فضة ان هناك حالة من الركود في السوق، أحيانا نرى انتعاشة ثم تضعف الطلبيات مرة أخرى وكثير من ورش الذهب والفضة حولوا نشاطهم إلى النحاس.”
واستطرد قائلا ” انا الآن أعمل وحدي بعدما كان لدي 13 عاملا في السابق كانت أجرة العمال قليلة والطلبيات كتير والآن الوضع تحول تماما”.
وأوضح مجدي ان معدن الفضة لا يعتبر رخيص، فالجرام من سبع سنوات كان يقدر بـ 120 قرشا والآن أصبح 5 جنيهات بدون المصنعية، فممكن اعمل طلبية بـ1000 جنيه احصل على حقها بالتقسيط.
وأردف مجدي ” زمان كان المكان كله يشغي بالعمال وتفتح جميع الورش من التاسعة صباحا وتغلق في وقت متأخر من الليل اما الآن هناك أصحاب ورش يأتون بعد الظهيرة وينصرفون بعد صلاة العشاء ويمكن ان تظل ورش مغلقة باليومين، وهناك ورش سلمت البطاقة الضريبية فنحن نعاني من التقدير الجزافي لمصلحة الضرائب بالرغم من وقف الحال ،فاذا كان الربح الذي احصل عليه من الجرام الفضة جنيه يريدون ان يحصلوا على 80 قرشا منه، بالإضافة الى غلاء الكهرباء حيث لا تقل فاتورة الكهرباء الان عن 200 جنيه بعدما كانت في حدود 60
جنيها.
ارتفاع أجور العمالة
في الوقت الذي تعاني فيه الورش ضيق الحال وتسريح العمالة تعاني المصانع من نقص العمالة المدربة، وقال ايهاب واصف نائب رئيس الشعبة العامة للذهب فى الاتحاد العام للغرف التجارية إن الاربع سنوات الماضية شهدث هروبا للعمالة المدربة في قطاع صناعة الذهب بسبب الركود الاقتصادي الذي تبع ثورة يناير والذي ادى الى تخفيض العمالة في الورشوالمصانع واتجاهها الى مجالات اخرى.
وأضاف واصف انه بعدما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية بدأت السوق في التعافي وبالتالي زاد الطلب على العمالة التي تقلصت، مما أدى الى رفع العامل لاجره وبالتالي ساهم في زيادة اسعار المصنعية.
واشار نائب رئيس الشعبة العامة للذهب إلى ان صانعي الذهب لديهم أزمة في العمالة المدربة نتيجة لتبعيتهم الحالية لوزارة التموين بدلا من وزارة الصناعة والتجار، والتي كانت تقدم المساعدة لهم عن طريق مراكز التدريب لتطوير الصناعة، والآن هذه المراكز غير تابعة لوزارة التموين فاصبح هناك اهمال للصناعة.
وفي سياق اخر، قال ايهاب واصف نائب رئيس الشعبة العامة للذهب فى الاتحاد العام للغرف التجارية – وصاحب مصنع للمشغولات الذهبية ينتج علامتين تجاريتين – ان المصانع تحاول فتح مجالات للتصدير بمجهودات ذاتية دون مساعدة الحكومة، لافتا الى انه في السابق كان هناك مخطط لان تصبح مصر مصدره للمشغولات الذهبية الا ان هذه الخطة تلاشت بعد الثورة يناير وكل شركة تجتهد لفتح ابواب للتصدير ولكن لم نصل للنتائج المرجوة لوجود معوقات كثيرة.