تحقيق سلوى حمدى…
“غرق صندل محمل بـ500 طن فوسفات في نهر النيل بقنا”.. خبر اثار قلق المواطنين الذين وقعوا فى حيرة بين شائعات التلوث وحدوث كارثة بيئية أدت لتسمم المئات بالشرقية وبين بيانات الجهات المعنية الرسمية التى تؤكد أن نتائج تحليل عينات محطات المياه مطمئنة ونقية.
موقع أخبارمصر التقى عددا من الخبراء والمتخصصين بحثا عن حقيقة أضرار الفوسفات الغارق على المياه والزراعة والثروة السمكية ومدى صحة فوائده التى تضمنتها نكات وطرائف متداولة بين نشطاء “الفيسبوك وتويتر” على “هاشتاج فوسفات في النيل”،مثل :”الفوسفات ده معدن لما يقع فى النيل هتتحول لمية معدنية وده قمة الاعجاز العلمى !”،” ياسلام ..السمك بالفوسفات أحلى سمك “،”ده الفوسفات ممكن يجيله تسمم يا جماعة!”، “هو احنا بيحوق معنا فوسفات ولا يورانيوم” ،”محموووود تشرب فوسفات يا حبيبى !”..
الكمية ..غير مؤثرة !
د.محمود عمرو أستاذ السموم والأمراض المهنية بطب قصر العينى
قال للموقع إن الفوسفات الحجرى الخام يصعب ذوبانه بالمياه و خواصه رسوبية ،وحتى “الفوسفات المصنع ” يذوب ببطء لأنه يستخدم سمادا للنباتات ،وبالتالى لن يضر إلا بعض الكائنات كالسمك الصغير وجزء من الطحالب.
وأوضح د.محمود عمرو أن ماغرق بالفعل من الحمولة الكلية “500 طن فوسفات ” لايزيد عن “60 شيكارة” أى فى حدود 100 طن فقط بدليل انتشال نسبة كبيرة من الحمولة بصندلين، وهذه الكمية ليست كبيرة ولا ضارة لأنها لم تقع فى ترعة أو بحيرة راكدة وانما فى نهر جار متدفق لأن تيار المياه شديد بقنا حيث يصل لأعلى مراحله بعد السد العالى بكميات مياه تكفى لنحو 7 ملايين فدان .
وأكد أستاذ السموم أنه لاخوف من اثار الفوسفات بمياه الشرب إلاعلى مرضى الفشل الكلوى أو الكبدى علما بأن الفوسفات فعلا مفيد للنباتات المائية أو المزروعة بجوار النهر وتعود فائدتها لمن يتغذى عليها من البشر .
ونفى أى علاقة بين حالات الاشتباه فى التسمم بالشرقية وبين غرق ناقلة فوسفات فى محافظة قنا على بعد نحو 650 كيلومتراً جنوب القاهرة خاصة أن كل العينات التى سحبتها وزارتى الرى والبيئة جاءت مطابقة للمواصفات والمعايير القياسية، كما لم يتم ملاحظة أي تغيير لدرجة عكارة المياه.
واستدرك د.عمرو قائلا إنه بإعمال العقل كان من الأولى أن تظهر حالات التسمم والاسهال فى محافظة قنا أو حتى محافظات الصعيد أولا لكن على العكس نجد أن التحاليل تؤكد سلامة مياه النيل بقنا من خلال سحب 518 عينة وإجراء 758 تحليلا للمياه بل إن النتائج التي توصلت إليها هيئة المواد النووية التابعة لوزارة الكهرباء أكدت خلو مياه النيل من المواد المشعة، خاصة عنصر اليورانيوم الذي أثبتت النتائج أن نسبته في المياه لا تتعدى نسبة 5 من عشرة جزء في المليون، أى نسبة ضئيلة وآمنة بالمقارنة بالنتائج العالمية لمنظمة الصحة العالمية..فكيف تصل المياه ملوثة للشرقية ؟.
ويرى د.عمرو أنه لاقلق من شرب مياه “الحنفية ” بدون فلتر لأن قطعة التنقية المسماة بـ”الشمعة” تتراكم عليها الرواسب بمرور الوقت ولا داع للمياه المعدنية إلا للمرضى أو الأماكن التى تعانى من تلوث مياه “الجراكن” محذرا من الفلاتر البلاستيك.
خطر الشوائب المعدنية
بينما نبه د.نبيل عبد المقصود، أستاذ علاج السموم وأمراض البيئة بكلية طب قصر العيني الى خطورة الشوائب المعدنية العالقة بصخور الفوسفات الحجرية على الانسان والثروة السمكية والزراعية والحيوانية لأنها تذوب وتصل للجسم عبر مياه الشرب والخضروات المروية بها .
وأوضح د.عبد المقصود أنه يجب تنقية المياه ومعالجتها جيدا حتى لا يتسلل معدن مثل السليكا والكادميوم الى المعدة مسببا إسهالاً ، وتقيؤا حادًّا، وربما يحدث ضمورا فى الجهاز العصبي المركزي و المناعي بالجسم وان كانت أضراره تظهرعادة بشكل تراكمى بعد سنوات.
وأكد أن الشوائب الضارة يمكن التخلص منها في محطات معالجة المياه قبل توصيلها للمنازل والمؤسسات، بالتقليل من حمض الكلوريد، المستخدم في تنقية المياه، لأنه يزيد من ذوبان الكادميوم، مع زيادة فترة بقاء المياه في أحواض الأكسدة.
وينصح د.نبيل عبد المقصود رئيس الجمعية المصرية لعلاج السموم البيئية المواطن الباحث عن كوب ماء نظيف بتجنب الشرب من مياه الجراكن خاصة فى القرى ، واستعمال الفلاتر فى تنقية مياه الحنفية مع تغييرالفلتر من وقت لاخر للحفاظ على جودته ،لكنه حذر من مواسير المعدن التى تتآكل وتذوب مكوناتها التي يدخل بها الرصاص في المياه، لافتا إلى أن تلك المواسير توقف استخدامها لتحل مكانها المواسير البلاستيكية.
منع نقل المواد الخطرة
وحول دور جمعيات حماية النهر الخالد ، قال يحيى جادو أمين عام جمعية “صوت النيل ” إن الجمعية أرسلت خطابا الى رئيس الوزراء لمنع نقل البضائع التى تتضمن ملوثات أو مواد خطرة عبر مياه النهر وانما تنقل عن طريق القطار علما بأن تكاليف النقل بعربات البضائع أرخص وأقل تلويثا للبيئة .
وأوضح أن النيل يتعرض لانتهاكات كثيرة بصفة يومية ولكن بالنسبة لخطورة شحنة الفوسفات الغارقة ،فالحمد لله ليست كبيرة لأن الفوسفات الغارق من النوع الذى لايذوب إلا عند 50 درجة مئوية ولم يحدث نفوق ملحوظ للاسماك بمكان الحادث .
وأكد جادو عدم الحاجة الى قوانين جديدة لأنها غير مفعلة والاهم نشر الوعى والحرص على حماية الشعب والمسئولين للنيل فكرا وسلوكا من خلال تطوير إدارة الاعلام المائى بوزارة الرى وحملات مختلف وسائل الاعلام والاعتماد على برامج منظمة للتوجيه غير المباشر وعرض حالات للسلوكيات الخطأ وضررها مثل إلقاء السماد بعد رش التربة بالنيل أو استحمام “الحمير والجاموس”، منبها الى عدم جدوى إنفاق أموال طائلة فى إعلانات غير مقنعة بل ربما تكون مستفزة عبر الفضائيات .
واستطرد أمين جمعية صوت النيل، قائلا :للأسف بعد أن قامت أقدم الحضارات المصرية على ضفاف النيل ،يتعرض الآن النهر لتعديات عليه وتلويث بالمبيدات الكيماوية ومخلفات الصرف الصحي و الزراعة والمصانع نتيجة لغياب الوعي وسوء الإدارة للموارد المائية.
ودعا الى التوعية والاقناع حتى تكون “وثيقة النيل” داخل ضمير كل مواطن وتترجم الى حملة شعبية لإنقاذ النهر وصحة المصريين.
رفع 90% من الشحنة الغارقة
وأعلن المهندس أحمد ابو السعود رئيس الجهاز التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، أن نسبة الفوسفات الخام داخل الشحنة الغارقة بمياه النيل لا تتجاوز 20% ، وباقي المكونات عبارة عن “سيلكا” وشوائب وبالتالى النسبة الغارقة بسيطة بل إن الفوسفات الخام لا يذوب في الماء بدليل أنه تم رفع 90% من الشحنة الغارقة وتم تحميلها على صندلين.
وأكد انه كى تذوب صخور الفوسفات الكلسية يتم معالجتها كيميائيا وصناعيا بطرق معقدة وبالتالى الخام لاضرر منه ، بل على العكس فإن الفلاحين يستخدمونه لتحسين التربة الزراعية ، فالفيضان كان يجلب إلى نهر النيل الأطنان من الخامات المختلفة، على رأسها الفوسفات، وكانت له فوائده على طمي النيل والتربة في مصرالقديمة .
آليات تفعيل وثيقة النيل
وطالب الدكتور أحمد الشحات الأستاذ بمعهد الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة بتفعيل وثيقة النيل التى وقعها الرئيس مؤخرا وتعني أن الدولة تتعهد بالحفاظ على النيل وتمنع التعدي على ضفافه، وأن “حراس النيل” هم الشعب المصري كله، وهذه الوثيقة تحتوي على محورين مهمين في الالتزام بالحفاظ على النيل، الاول هو التزام الدولة بالحفاظ على النيل من الخارج والتزامها تجاه النيل من الداخل.
ويرى أنه يجب أن تقنن الدولة النقل النهري خاصة نقل المواد الخطرة ، و ان تحدد آليات الحماية من كل خطر، بدء ًمن حماية المياه ثم حماية النهر ثم حماية حرم النهر .
وأكد الشحات أن حماية مياه النيل من التلوث تتطلب توفير مصارف بديلة لمخلفات المصانع من المواد الكيمائية على طول النهر وللاسف الشديد ،فإن كثيرا منها قد يكون تابعا للدولة، ورغم أن هذه المصانع بدأت تطبق نظام المعالجة ولكن يجب على الدولة عمل مصارف خاصة بها لتصرف مياهها في أراض صحراوية أو تحاول معالجتها بشكل جيد لاعادة استخدامها.
كما شدد على أهمية نشر ثقافة الاستخدام الرشيد للمياه وتفعيل القانون لتصل عقوبة التعدى للحبس بدلا من الغرامة مع مواصلة إزالة التعديات التى تستهدفها الحملة القومية لإنقاذ النيل منذ أن أطلقها رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب فى 5 يناير الماضى.
ومازلنا فى انتظار الضوابط المشددة التى ستفرضها وزارة الرى على مرور الناقلات المحملة بمواد خطرة فى نهر النيل ،والمقررأن تشمل القيام بتدوين المعايير فى رخص العابرات التى تسير فى النيل منعاً لتكرار ما حدث فى صندل الفوسفات، حيث سيتم إجباراً التأكيد على نقل مثل هذه الشاحنات فى أوعية وخزانات مغلقة ومعبأه داخل أكياس بلاستيكية، تقى من إختلاطها بالماء حال تسرب مكونات الناقلة فى النيل،ولكن هل ستحد من الكوارث ؟..لعل وعسى !.