ينتقل الشاعر العراقي محمود جاسم النجار 1964، بين لاهاي وباريس كعاصمتين أوروبيتين، ليشرح قضيته الشائكة، يروي الشعر ويكتب النثر، حيث تسهل رواية قصة الوطن وحكاية الاستبداد، وحيث يوجد مستمعون كثر في كل مرة تقام احتفائية بالشعر العراقي.
فقد نظم أخيرا “اتحاد الأدباء الهولندي” أمسية مهداة إلى العراق، شهدت حضورا كثيفا غير مسبوق، وقبل فترة وجيزة، حلّ النجار وبعض رفاقه ممن اختاروا المنفى طريقة تفكير وحياة، حلوا ضيوفا في باريس خلال احتفالية نظمتها الجمعية الفرانكفونية للأدب المغاربي، كانوا يومها حزينين كحزن شتاء فرنسا، وقالوا يومها إن مؤامرة قذرة تستهدف أرضهم، وترجمت دور النشر جميع القصائد إلى اللغة الفرنسية، لا سيما تلك المعبرة عن وجع الجريمة.
أمس، أعيد الحديث عما يجري. فبالتزامن مع حدث شعري في لاهاي، كانت الأحاديث في مقاهي فرنسا تتحدث عن بغداد وهجمات «داعش»، كان الجميع يريد أن يحرك ساكنا. يقول النجار: “هناك قامات عراقية كبيرة تعمل على لملمة الوضع، وما عملنا إلا جزء من رد لائق على الظلامية، والأوروبيون يعرفون أنّنا نحاول التعبير عن عراق معاصر”.
حدث أن رفض الجميع تلك اللهجة المشروخة، ومن يرصد الحدث يعرف أن شيئا ما يستجد، وإن كان بقالب أعرج، ففي مقهى «رضا بن علوان» بحي الكرادة العريق، بعد تحوله إلى مكان للراغبين بالخلاص من الحرب، نظمت وقفة احتجاج حيال بلاد تتمزق أشد تمزيق، ونددوا بصمت وزارة الثقافة عن تدمير الآثار والمتاحف، كنت أتلهف للحديث مع بعض الأصدقاء، ممن عقدوا العزم على السفر من فرنسا إلى بغداد بغية المشاركة في معرض بغداد الدولي، وأيضا بغية التضامن مع مثقفيها، كان الحزن مضاعفا وأصيلا، فقد مرّت الوقفة بصمت إعلامي مريب.