الجمعة , 2 مايو 2025
الرئيسية » أقلام وأراء » ذكراك يا جمال

ذكراك يا جمال

بقلم: محمد عبدالفتاح

رثاء فى ذكرى أخى جمال

ما ظننت يوما أنى سأرثيك ، فما علمت أن الموت يختار الصغير ، وعلمت أنك مقبل على الحياة راغب فيها ، ولكنك كأنك كنت تودع الأشياء .
فى مثل هذا اليوم رحل أخى جمال ، عن دنيا الناس ، إلى حياة أجمل عند ربه ، بعد حياة حافلة بالعطاء والحب لكل من عرفوه .

كان جمال طالبا فى معهد الخدمة ، وكان عاشقا لفريد الأطرش ، وفى كل عام كان يخرج ليغنى فى أعياد الربيع ، مع على فايق زغلول فى أوائل الطلبة ، أغنية ، عيد الربيع ، (عيد الربيع عاد من تانى ، والبدر هلت أنواره )، وكان والدى يهدده ويزجزه ليكُفَّ عن ذلك ، لكنه كان صاحب رأي وعزيمة .

تخرج جمال وعمل بشئون الطلاب بالمعهد ، وتدرج فى المناصب ، نال حب من عرفوه ، وكثيراً ما كان يتوسط أناس من القرى المجاورة ، ليأتى لهم بنتيجة اخر العام ، أو يأتى بكتاب من دكتور لطالب متعسر ، والله ما تأخر ولا تأفف ، رحمك الله يا جمال .
وكانت المفاجأة ، أننى كلما طلبت منه كتاباً لفلان أو علان يسارع ، وتبين لى أنه كان يشتريه من ماله الخاص ، نفسُهُ الأبية تأبى عليه أن يذلّ نفسه لأحد .

تلك النفس التى حملته على مجابهة رؤسائه ، من أجل حقوق زملائه الذين كانوا يضعونه فى الصدارة ، ولا يلبثون يتخلون عنه ، فما يزيده إلا إصرارا ، تم وقفه عن العمل أكثر من مرة ، ووقف راتبه ، لا لشيء شخصى ، إنما قضايا زملائه ، والحمد كان يخرج فى كل مرة منتصراً .

أحبّ كتابَ الله ، وداوم على ختمه ، قراءة المتأمل المتدبر ، وكثيراً ما يتصل بى ، يسألني عن مواقف إعرابيه يشك فيها .
ذات مرة قال كيف نُصب سليمان .؟ فى قوله تعالى (فلمّا جاءَ سُليمَان َ قالَ اتمدوننِ بمال ) ، فقلت له ، من ذهب للآخر سليمان أم رسول بلقيس قال رسول بلقيس ، قلت إذن سليمان مفعول ، فضحك من نفسه ظنا أن من أتى بعد الفعل فهو فاعل .

كان جمال ودوداً يعرف كيف يصلح القلوب ، وكان شفافَ النفس ، ناصعَ القلب ، حَييا ً ، كلما جاءنى ، وتناول الغداء ، أدخل لأخذ قيلولتى وأتركه يَسمُر مع أولادى ، رغم أنه يصغرنى فقط بعامين ، فأصحو على صوت ضحكاته ولعبه معهم ، كأنه واحد منهم .

كان جمال كريماً فوق المعهود من اى جود ، كان يبالغ فى العطايا ، وتعلو وجهه ابتسامة عذبة حانية متواضعة ، وكلما أتى الضيعة للزيارة بدأ بى أولا ، وقال أخذت عهداً أن تظل كبيراً .
كان لجمال النصيب الأكبر من اسمه ، كان يحزن لحزنى ويفرح لفرحى ، وكان قنوعا ، ونحن نتقاسم تركة أبى ، رضى بالقليل ، وكأنه كان يجنب نفسه الشحناء والبغضاء .

كان يبتهج لقدوم الربيع ، وها قد غادر الدنيا فى الربيع ، وكأن آخر ما تراه عينُه جمالَ الربيع ، رحل جمال وترك ذكرى تلو ذكرى ، وعطرا يتلوه عطر ، رحل جمال وفى كل ركن شاهد على بسمته وضحكته ،وحبه وتسامحه .
اليوم أبكيك يا جمال .
وما ظننت يوماً أنى سأبكيك .

  1. بقلم محمد عبد الفتاح

شاهد أيضاً

شكر واجب… الشكر والتقدير لكل من ساهم فى بناء مسجد بمدرسة الشهيد محمد قاسم

يتقدم مجلس أمناء وإدارة مدرسة الشهيد محمد قاسم بابوطبل بخالص الشكر والتقدير لكل من ساهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *