ذكرى الربيع
بقلم محمد عبد الفتاح
فاجأتنى زميلتى الفنانة موجهة المسرح الأولى بالديوان فاتن جاويش ، بينما أدخل من الباب فقالت ويحك ! صنعت من الخضيرى عاصمة ملء العيون وقد كانت مغمورة لا يعرفها أحد .
قلت إيييه يا فاتن لو حكيت لكم ما فعلت بى تلكم الخضيرى ، عاصفة النور مثل باريس ولكن أهلها من أوكرانيا مثل تشرنوبيل الذى انفجر زمنا فأتى على الأخضر واليابس .
لكنى أفقت اليوم متأخراً ، فى السادسة ، على صوت البنا يرتل التوبة ، وأحب تسميتها براءة ، ولست أدرى سر تنامى عشقى للبنا ، ومن إذاعة القرآن فقط لا من غيرها ، ولكم تمنيت أن تسمعوا معى سورتيا المحببتين ، الأعراف والتوبة ، فوددت أن أكتب لكم عن مشاهد مما أرى ، كلما قرأ البنا ، (قل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا ، إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ، فاقعدوا مع الخالفين ) أشعر غضب الرب ، وقد مضى وقت الغفران ، حتى إن السورة لم تبدأ بالبسملة .
لكنى هناك ذكرى تطل برأسها ، وتحاصرنى لأستخرجها ترى النور ، ذكريات الخضيرى يوم شم النسيم ، فى عهود الظلام الأولى ونحن صغار ، كنا ننام مبكراً ، حتى نصحو مبكراً لاعتقاد خاطىء أنه من أفاق متأخرا يوم شم النسيم ، يظل طوال العام يصحو متأخرا ، يصيبه الوخم وهو داء كثرة النوم .
ولأجل ذلك كان كل واحد يضع بصلة خضراء تحت وسادته ، ونفيق قبل الشروق ، ونسرع إلى ترعة المفروزة ، ونلقى بأنفسنا فى عرض التيار ، وكانت المياه نظيفة ، نظافة القلوب أيامها ، ونحمل فى طريق العودة بعضا من زهور الجهنمية ولا نبالى بأشواكها ، ونعلقها على باب الدار مع حزمة بصل خضراء .
وتكون الأمهات قد خبزن الفطير المشلتت ، والقرص الطرية ، أما العادة التى حفرت ذكرى أليمة فى عقلى الباطن ، الفلافل ، كانت البيوت فى القرية كلها تصنع كميات كبيرة نظراً لأنه زمن حصاد الفول ، وتشبها بآل البندر ، فلا يكاد يمر شم النسيم إلا وتشب حرائق ، بسبب الزيت المغلى ، أو وابور الجاز وأسطح القش تساعد فى ذلك ، أما أهمها سواداً يوم احترق اخى الأصغر فى إناء الزيت المغلى ، وتركت له آثارا تذكره دوماً بالفلافل .
فلم يكونوا بعد قد اخترعوا الشواطىء ، أو الساحل ، أو قل اخترعوها لكن غيّبوها عن عاصمتى ، ولما شببنا عن الطوق مرحلة الشباب ، كان حليم يقيم حفلة ليلة شم النسيم ، يعنى فيها أغنية جديدة ، وكل جيلى نشأ على أغانيه ، وكنت مغرماً بقراءة المجلات فقد قرأت أيامها ، أنه إذا كان خالد بن عبد الناصر يحب حليم ، فإن الزعيم جمال لا يحلو له مراجعة سجلاته الا على صوت أم كلثوم .
وفى آخر أغنية لحليم ، كان مريضاً ، وأسعفوه على المسرح ، أكثر من مرة ، وتصادف أنها كانت ليلة مولد سيدى نصر ، ونصب السرادق ، وتعاهدوا مع الشيخ طلعت هواش لإحياء الليلة الكبيرة ، التى يتقاطر إليها الناس من كل حدب وصوب ، ومع بداية الحفلة ، قامت ريح عاتية ، اقتلعت الخيمة ، وأطبقتها على رؤوس المحتفلين ، فكانت ليلة ليلاء ، فلا غنى حليم ولا أنشد طلعت هواش .
عارف صدعتكم 😂
كل ربيع وأنتم ربيعه 🌷🌷🌷🌷 .