الأربعاء , 30 أبريل 2025
الرئيسية » أقلام وأراء » القمح الليلة ، الليلة يوم عيده

القمح الليلة ، الليلة يوم عيده

بقلم محمد عبد الفتاح

لا أدرى لماذا أضحك ، كلما رأيت أنفار الدراس صائمين ، يواجهون العطش فوق التعب ، متناسين تلك الكورونا ، أضحك لأننى كأنى أسمع عبد الوهاب ، يترنم أنشودته الرائعة ، محلاها عيشة الفلاح ، يتمرغ والأرض براح .

عبد الوهاب الذى رافق شوقى بك أمير الشعراء ، وتربى فى القصور ، وتنزه بكل عواصم العالم وحواضرها ، لكنه نظر إلى الفلاح وهو جالس تحت التوته ، تداعبه نسمة رقيقة ، بينما المسكين غارق فى عرقه ، تحت وهج الظهيرة .

تذكرت عيشة الفلاح بينما استيقظت اليوم مبكراً ، أنظر مشاتل الأرز ، ودراس الغلال التى عطلتها أمطار منسية ، فهالنى مشية أحدهم ، يحجل ويقفز ، كمِشية الغراب ، فقلت له : ما بك ؟ فقال : أصابنى جذر قمح ، دخل فى قدمى ، ويبدو أنها التهبت ، فقلت لمَ لا تستريح يوماً أو يومين ، فضحك وطأطأ رأسه ، كمن لا يجد رداً ! .

لكنى فهمت قصده ، فكثير من الكلام ، هو ما لم نقله ، وكثير من الأوجاع هى ما نكبتها ، وكثير من الأحاسيس عنوانها الصمت ، فهمت أنه يقول : أنت غبى ! ، مع أنى لست كذلك !

كيف يستريح ووراءه أفواه وبطون ، وشيكات مستحقة من زيجة البنات ، وأخري تلاحقهن بجهاز ليس أقل من سابقتهن ، علمت أن لكل منا أطفال عيونهم مفتوحة على الجيران والأصدقاء ، يتشبهون بهم فى الملبس والمأكل ، فمن أين له بخمسة وعشرين جنيها ؟ ثمن 2 ك خوخ أو جوافة ، أو 80 جنيها ثمن 2 ك سمك ، وظللت أعداد من أين ؟ ومن أين ؟ .

إلى أن تذكرت أنى ذات مرة قرأت ، أن عبد الوهاب ، صاحب نظرية محلاها عيشة الفلاح ، كان بإسبانيا ، فى إحدى أسفاره وكان بميناء بلنسيه يستعد لركوب السفينة إلى الإسكندرية – لأنه كان يخشى ركوب الطائرة – ، ووصلت السفينة وتوشك أن تبحر ، وهو بالحمام ، فدقوا عليه الباب ليلحق بالسفينة ، فلم يأبه ، وزجرهم بعد ما قضى حاجته ، ولم يلحق بالسفينة ، فأنى للباشا أن يشعر بالفلاح ؟.

وضحكت كأننى أرى الباشا بياقته البيضاء ، وأنفه المدققة ، نظارته الذهبية ، شايل غُمر غلة ، والعرق يتساقط فى عينيه ، و يمشي حافيا على جذور الغلة كأنها سكاكين ، و نزل يلوط المشتل .

لكنى أحبه ، وتمنيت لو سمعتم ( الجندول) ، أو (خى حبيبي لى أسى ) ، أحبه كتاريخ لمصر الجميلة ، ولأخلاق الباشوات التى تأبى التدنى .
رمضان كريم

شاهد أيضاً

شكر واجب… الشكر والتقدير لكل من ساهم فى بناء مسجد بمدرسة الشهيد محمد قاسم

يتقدم مجلس أمناء وإدارة مدرسة الشهيد محمد قاسم بابوطبل بخالص الشكر والتقدير لكل من ساهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *