نقله : هانى الصنفاوى
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لسايمون تيسدال تناولت فيه هجوم الجيش الإثيوبي على إقليم “تيغراي”، محذرا من وقوع كارثة في منطقة القرن الأفريقي جراء هذا النزاع.
ويطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على العملية “مهمة فرض النظام”، ولكنه يخاطر بتحمل مسؤولية أزمة لاجئين وتوسعة أزمات المنطقة، وتعتبر خطوة إلى الوراء من رئيس الوزراء الذي منح جائزة نوبل للسلام نهاية 2019، بعد جهوده في الإصلاح وحل النزاع الحدودي مع إريتريا.
ويقول تيسدال: “هناك خطر أكبر من مهمة فرض النظام، وهو تفكك إثيوبيا نفسها على الطريقة الليبية أو اليوغسلافية”.
ويتكون البلد من 80 جماعة عرقية يعتبر الأورومو التي ينتمي إليها أحمد الأكبر وتأتي بعدها عرقية الأمهرة والصوماليين ثم التيغراي الذين يمثلون نسبة 6 المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 110 مليون نسمة. وإثيوبيا هي بلد فيدرالي وكان يعاني من ضغوط قبل اندلاع العنف الحالي.
وفي الوقت الذي من السهل توجيه أصابع الاتهام نحو آبي أحمد، لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تتحمل المسؤولية لأنها سمحت للتنافسات السياسية الانتقال إلى العنف.
ورغم أن اثنية تيغراي تسيدت السياسة في البلاد لعقود طويلة وحتى الإطاحة بمانجستو هيلاي مريام في 1991، إلا أن الجبهة فقدت التأثير السياسي في البلاد بعد وفاة رئيس الوزراء الأسبق ميليس زيناوي في2012، وهو الحاكم الديكتاتوري الذي خلف إنجازات اقتصادية مثيرة للإعجاب.
ومنذ تولي آبي أحمد للسلطة عام 2018 اشتكى قادة إقليم تيغراي من التهميش والاستهداف. وأدى هجوم هذا الشهر على قاعدة عسكرية في ميكيلي، عاصمة الإقليم إلى رد الحكومة المركزية.
اقرأ أيضا: إثيوبيا تقترب من عاصمة تيغراي وتمهل قادتها لإعلان الهزيمة
وجراء الاشتباك المندلع انطلقت للدعوات المعروفة من الولايات المتحدة وبريطانيا لوقف العمليات العسكرية، والمخاوف على الديمقراطية في إثيوبيا، وكذا وحدة وسيادة أراضيه.
وتم تأجيل الانتخابات في البلاد بسبب وباء فيروس كورونا للعام المقبل. لكن لا أحد في طرفي المواجهة مستعد للإنصات. وهذا الصمم يعطي صورة عن تدهور التأثير الغربي وتجاهله للقرن الأفريقي. وهذه هي النقطة الخلفية لحالة الطوارئ في تيغراي الجيوسياسية، وفقا لقول الكاتب.
ويتذكر الكاتب أنه قابل رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوي في 2008 وأخبره أنه يرحب بالدعم البريطاني والأجنبي، لكنه تحدث وبعاطفية عن حق إثيوبيا بخط طريقها “نعتقد أن الديمقراطية لا تفرض من الخارج على أي مجتمع.. ومن حق الدول ذات السيادة اتخاذ قراراتها وأن يكون لديها معيارها حول كيفية حكم ذاتها”.
ورفض آبي أحمد دعوات الخارج لوقف إطلاق النار، فيما يبدو أنه تأكيد منه على “حق تقرير المصير”. وقال إنه يعمل على بناء هوية وطنية مشتركة ومواطنة عامة تتسامى على السياسات الإثنية التي يقول أنصاره إنها أدت لعرقلة تقدم إثيوبيا.
ويقول نقاد آبي أحمد إن هذه أقصر طريق للديكتاتورية ولكن من المركز.
ويرى المحللون أن الهجوم لن ينتهي بسرعة ويتحقق النصر كما يتوقعه آبي أحمد، وذلك بسبب وجود عناصر تيغراية في الجيش الوطني إلى جانب الأقليات الأخرى يمكن أن تحذو حذو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وكلما طال أمد النزاع كلما زادت مخاطر عدم الاستقرار في البلاد وخارجها.
وأفادت الأبناء أن منطقة أمهرة المحاذية لتيغراي تعرضت للقصف الأسبوع الماضي، وتعرضت الجارة إريتريا للقصف أيضا. ويقال إن حاكمها المنعزل إسياس أفورقي، يدعم أديس أبابا بسبب عدائه للتيغراي الذين قادوا حربا طويلة ضد إرتيريا استمرت 20 عاما. وكان وقفها السبب الذي قدمت جائزة نوبل فيه لآبي أحمد.
وأصبح السودان الخارج من أزمة سياسية المستقبل لموجات اللاجئين الفارين من الحرب، أما جنوب السودان الذي يعاني من اضطرابات فقد يجد نفسه أمام حالة من الفوضى المستمرة.
ومع ذلك، فإن أكبر شيء القلق هي الصومال، الواقعة شرق إثيوبيا، حيث تدور فيها حربا طاحنة مع الإسلاميين وينتشر الجوع ويتنازع فيه الساسة على الحكم.
وطالما حذر ميليس زيناوي من تهديد الإسلاميين في القرن الإفريقي. وأرسل عام 2007 حوالي 10 آلاف جندي إثيوبي لسحق “المحاكم الشرعية”، التي أطلق عليها “طالبان الصومال”.
والمحاكم الشرعية، هو مجموعة من المحاكم الإسلامية التي اتحدت برئاسة شيخ شريف شيخ أحمد، وأصبحت حاكمة لأغلب مناطق الصومال، بعد انهيار الحكومة في عام 1991 وانسحاب الولايات المتحدة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
ولا تزال القوات الإثيوبية في الصومال، ولكن تم سحب 3 آلاف جندي للمشاركة في الهجوم على تيغراي. وهناك مخاوف من انتهاز “حركة الشباب” أو تنظيم الدولة فراغ السلطة والذي يترافق مع قرار دونالد ترامب المفاجئ وقف المشاركة الأمريكية هناك.
وحركة الشباب، هي حركة قتالية صومالية تتبع فكريا لتنظيم القاعدة، تأسست في أوائل 2004، بعد الانشقاق عن “المحاكم الشرعية” بعد انضمامها إلى ما يعرف بـ”تحالف المعارضة الصومالية”، وتصنف بـ”الإرهاب” من الولايات المتحدة ودول غربية خرى.
وبحسب الكاتب، لا علاقة لقرار ترامب بمستوى التهديد أو مصالح الصوماليين ولا بتأمين إرثه المتعلق بأمريكا أولا، وستظل القوات الامريكية الخاصة في كينيا وجيبوتي، إلا أنه يتوقع دعوة 700 جندي أمريكي يقومون بتدريب القوات الصومالية وعمليات مكافحة الإرهاب للمغادرة.
ويحذر المحللون من تأثير قرار الانسحاب على الانتخابات المتوقعة العام المقبل وينظر إليها كخطوة نحو عودة البلاد لحياتها الطبيعية. ومن جهة ستقوى حركة الشباب التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة وتهاجم القوات العسكرية والمدنيين. يشار إلى أن انتحاريا قتل ستة بتفجير مطعم بمقديشو الأسبوع الماضي.
ويرى الكاتب أن تخفيض الوجود الأمريكي قد يقود إلى توجه مثير للقلق وهو التنافس بين دول الخليج على التأثير الاستراتيجي والمصادر الطبيعية في منطقة القرن الأفريقي. وهناك تنافس حاد بين الإمارات وقطر في الصومال وإريتريا.
وزادت تركيا من دورها تساوقا مع طموحاتها بعد الربيع العربي في سوريا وليبيا وتبرعت قبل فترة بعربات عسكرية مصفحة للحكومة الصومالية. وفي الوقت نفسه تخطط روسيا لإقامة قاعدة عسكرية في بورت سودان.
وفي ضوء الأحداث المتسارعة في إثيوبيا والسودان والصومال واليمن الذي مزقته الحرب، فالقوى الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا باتت مهمشة. ويبدو أنها مستعدة للتسامح مع أي معاناة عن بعد. ولكن الاضطرابات ستزيد من تدفق المهاجرين واللاجئين وتوسع مدى الإرهابيين الذين قد تدفع الدول الغربية إلى الندم على “دور المتفرج”.