بقلم / حمدي كسكين
من ذكريات العيد في قريتنا
للعيد في قريتنا طعم اخر …وفرحتنا ونحن صغار بالعيد كانت بلا حدود
والفرحة لم تكن قاصرة علي يوم العيد …بل كانت مراسم استقبال العيد تسبقه بايام
لابد من تزيبن البيوت لاستقبال العيد …لم تكن عملية اجراءات تجميل البيت وتزيينه لاستقبال العيد مكلفة
كنا نبحث عن اقرب مكان فيه طين الجباصة والجباصة بلغة الاباء والاجداد نوع من الطين والتربة ذات لون جذاب وكان الجميع الامهات والجدات يقومون باعداد الجباصة وترميم واجهة البيت الميسور يجلب احد العاملين بالمحارة والغلابة كانت الامهات والاجداد يقومون بهذا الدور بايديهم الطاهرة
وكانت من علامات فرحة العيد تنظف المصاطب وتكنس جيدا وتفرش بالرمال الصفراء الناعمة …وكانت الفرحة الكبيرة عندما ينتهي الخياط من اعداد ملابس العيد ولم تكن ملابس العيد في مجملها غالية بل كانت من اقمشة مصرية مصنوعة من القطن المصري اغلبها قماش اسمه الكستور او التركلين والبفتة كانت ملابس العيد جلاليب مقلمة او بيجامات بالوان زاهية جميلة ..وكان البيت باكمله يرتدي ملابس بلون واحد للاولاد اما البنات فكانت ملابسهم مزركشة وملونة وتبعث الفرحة في القلوب وكانت الخياطة قديما بمثابة مصمم الازياء الامهات والجدات جلابية بسفرة دوران والبنات تتفنن الخياطة لهن في التصميم وكانت الموديلات المشهورة عند الخياطة المكسي وهو جلباب طويل وبكم يستر عموم الجسم لكنه ضيق الي حد ما ….من تلبسه في هذا الوقت خرجت عن المألوف وتصيبها لعنات الجدات وتتهم بعدم الوقار والحشمة
كانت ملابس العيد تطبق جيدا وتوضع تحت المخدة او مرتبة السرير كي تحتفظ برونقها
وليلة العيد ياتي للبيت الكبير الحلاق ( المزين ) وكان يقوم بالحلاقة للبيت باكمله ….لم نكن نعرف انواع قصات الشعر المشهورة هذه الايام بين الشباب والاطفال…لم نكن نعرف طعم النوم في ليلة العيد كانت امي تقوم علي مراسم استحمامنا في الطشت مستخدمة صابونة نوع الميزان او نابلسي اذا كانت الظروف ميسورة
ثم نخرج بعد ذلك لصلاة العيد وبعد ان نفرغ من الصلاة تتجمع كل عائلة وسط كبيرها ورمزها فنتبادل التهنئة بالعيد ثم تتسع الدائرة بعد ذلك حيث العائلة الكبيرة
حيث تخرج العائلات في موكب عظيم يتقدم الصفوف عمداء العائلات وعواقلها ورموزها وكبار البلد يشقون طرقات القرية حيث ينتهي بنا المطاف ب( ابو حصيرة )حيث مقابر القرية لتزاور الاموات وتبادل التهاني بين العائلات
كم كانت ايام جميلة حيث يسبقنا بعض اولاد العم ليفرشوا المكان بالحصير وكم كانت قعدة جميلة وسط الاقارب وابناء العمومة
كنا نجلس سويا في مجلس واحد اقاربنا وابناء عمومتنا كانت قعدتنا واحدة عائلة واحدة عائلة زرقة وكسكين ومطر وشاهين وابو صمد وابو حمودة يتبادل الكبار مناقشة امور القرية وبعض الضحكات البريئة الصافية الجميلة لم تكن القلوب بقريتنا تضمر شرا لاحد اوتعرف لغة الغل او الحقد لم تكن القلوب قاسية كانت القلوب مليئة بالحب والعطف والحنية
لم تكن قريتنا في هذا الزمان تعرف لغة غير لغة الطيب والمعروف والكرم ونجدة الملهوف
وكان المجلس يضم فطاحل وفخر الرجال
كنا صغار ننظر لهؤلاء بادب جم واحترام كبير وكان يقطع صمت المجلس بحكمته ووقاره العم الدكتور ابو الفتوح زرقةالذي كان العقل المفكر لوزارة الصحة المصرية في ذلك الوقت واحد اساتذة الطب الكبار في مصر والمستشار حلمي زرقة شيخ قضاة مصر ووالدي رحمة الله عليه والرجل الطيب الحكيم الحاج فتحي حمودة وغيرهم من خيرة الرجال كان المجلس صورة مصغرة من مجتمع مصر فيه الفلاح البسيط من اقاربنا مع الوزير والمستسار من بني عمومتنا القاسم المشترك بين الجميع لغة التفاهم والاحترام والحب الممزوجة بالحنية واحترام صلات الرحم وذوي القربي
لم تكن قريتنا في هذا الزمان عرفت العيد الرقمي او العيد الديجتال …..او لغة المعايدة الباردة العقيمة التي تتم عن طريق الرسائل او الماسنجر او الواتس اب
كان عيدنا يعرف الاتصال بالتزاور وصلات الارحام والعيدية
والعائلة عن بكرة ابيها تزور الولايا يعني تزاور الارحام لبنات
العائلة المتزوجين في عائلات اخري وكانت دواوير القرية ومضايفها ومقاعدها تفتح ليلة العيد لعقد جلسات القضاء العرفي والصلح بين المتخاصمين
بحيث لا تشرق شمس العيد علي قريتي الحبيبة ( اكياد )الا وقد خلت من المتخاصمين
الذاكرة لاتسعفني من رصد بعض رجالات الزمن الجميل في قريتي رحم الله اللواء احمد الرافعي علي مساعد وزير الداخلية ومدير امن دمياط في ذلك الوقت رحم الله المستشار محمد البكري حسن رئيس المحكمة الدستورية العليا في هذا التوقبت رحم الله محمد الرافعي الذي كتب صديقه الشاعر العظيم كلمات الاغنية الجميلة تحت الشجر يا وهيبة ..ياما كلنا البرتقال في قريتنا اكياد والمهندس حسني عراقي نائب وزير الزراعةورئيس الهيئة العامة لمشروعات التعمير في مصر وزوج عمتي والحاج ابراهيم ابوهليل رائد التعليم والتنوير في قريتنا
في اكياد اتذكر من رموز القرية واعلامها المرحوم الحاج علي احمد ناصف والعمدة علي عبدالهادي وخالي المرحوم الحاج علي حسن عبدالقادر كانوا رجال بطعم الزمن الجميل وكنا ونحن صغارا لا نعرف الا لعبة المراجيح وكان اشهرها في ذلك الوقت مرجيحة الصحصاحي وكانت تدور بنا صغارا ومرجيحة بالقواديس ومرجيحتين واحدة في المحطة بجوار السكة الحديد واخري علي الترعة القديمة وكان اجمل ما في العيد السيد ابو المكاسب وكان يتفنن في سلب المعدن والصاغ من جيوبنا بالعاب ومكاسب جميلة وكان البمب والحبش والبلاليم اقصي العابنا لعب بسيطة لكن الفرحة كانت كبيرة
كل عام وانتم بخير وعيد ديجتال مبارك عليكم