بقلم: المستشار هانى تغيان
زميلٌ لنا، محامٍ حرّ شريف، سُفك دمه على مقهى بشارع المصنع، وسقط شهيدًا وهو في أوج عطائه، لا لشيءٍ سوى أنه اختار أن يكون محاميًا.
نعم… محامٍ، لا قاتلًا ولا مُجرمًا، بل رجلٌ حمل الرسالة، ودافع بالحجّة، فاغتالته يد الخصومة الغاشمة.
تم القبض على القاتل، ولكن… هل انتهت القضية؟
لا، والله.
ما زالت القضيّة حيّة ما دام الخطر قائمًا، ما دامت نظرة العداء للمحامي مستمرة، وما دام البعض يخلط بين الخصومة القانونية والعداوة الشخصية، ويُحرّض الناس ضدنا وكأننا نحن الخصوم لا وكلاء عنهم.
القاتل أُمسك، لكن الفكر الذي سوّغ له القتل ما زال طليقًا.
كم مرة قلنا: “المحامي ليس عدوك، بل محامٍ مثله كمحاميك، قد اقتنع بوجهة نظر موكّله، ودافع عنه وفقًا للقانون.”
كم مرة نادينا: “افصلوا بين المهنة والمشاعر، بين الوكيل والأصيل، بين القانون والانتقام.”
لكن لا أحد يسمع… حتى سال الدم.
اليوم، نُحمّل المجتمع كله — أفرادًا ومؤسسات — مسؤولية هذه الجريمة، فكل من شيطن المحامي، أو حرّض ضده، أو صوّره كعدوّ، هو شريك في الجريمة.
يا سادة، المحامي هو حصن العدالة الأخير، هو صوت الضعفاء، ودرع القانون. فإذا كُسر هذا الدرع، فمن يحميكم أنتم غدًا؟
نطالب اليوم لا فقط بالقصاص، بل بردّ الاعتبار.
نطالب الدولة بحماية المحامين، لا كمهنة فقط، بل كخط دفاع أول عن القانون في وجه الفوضى.
نطالب الناس بالوعي… فالعدالة لا تُبنى على الدم، ولا تُؤخذ باليد، ولا يُخاض نزاعها على المقاهي، بل في ساحات القضاء، وفي ظل القانون.
رحم الله زميلنا، وثبّت أهله، وجعل دمه نورًا في وجه هذا الظلام.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
وإنا لله وإنا إليه راجعون…