بقلم: محمد عبدالفتاح
أرجـل وأجـنـحــة
بينما أنا فى القاهرة ، دخلت إحدى فروع أولاد رجب ، أبتاع بعض حاجياتى ، وأنا على الكاشير ، وجدت امرأة في عقدها الخامس ، تحمل طبقاً ، كله أجنحة دجاج أبيض ، فظهرت علىّ علامات الدهشة ، إنها المرة الأولى التي أرى فيها أجنحة الدجاج تكرم بهذه الطريقة ، ترص وتغلف بطريقة جميلة .
خشيت أن أسأل السيدة حفاظاً على شعورها !
وبعد أن أتمتْ عمليتها الحسابية على الكاشير ، جاء دوري ، لكن السؤال يلحّ علىّ ، فسألت فتاة الكاشير ، أهناك من يأكل تلك الأجنحة فقط ؟
فابتسمت ابتسامة خجولة ، وقالت لا تهتم سيدى ، دع الملك للمالك .
وغادرت وأنا أقول ، أكيد ابتاعته السيدة طعاماً لكلابها ، لكنى استرجع هيئتها وملابسها ، التى لا تشى بتلك الرفاهية .
سرت وسرحت بفكرى بعيداً بعيداً ، لما كنا صغاراً ، وأمى تطهو البط والأوز ، لم يكونوا قد اخترعوا الدجاج الأبيض بعد ، وكانت الوجبة الرئيسية عندنا هى العشاء ، فكنت أقف إلى جوار الكانون مع أخى جمال ـ رحمه الله ـ ريثما تعود أمى وتعطينا بعض الأجنحة ، والأرجل ، والرقاب ، ويا حبذا لو تكرمت بكبدة أو قنصة .
لأن الصغار يلاحقهم جوع قارس من فرط الحركة ، فكانت تلك الأشياء تقع على المعدة وقع الغيث على الأرض العطشى .
ولما كبرت وصار الدجاج الأبيض غالب طعامنا ، وتتفنن النسوة فى طهيه ، مرة في مرق وأخرى فى بطاطس ، وقد يتعلمن من وسائل الاتصال صنائع أخرى باستخدام توابل العصر .
لكن يبدو أن جيلى ـ جيل الشقاء ـ كتب عليه أكل الأجنحة والرقاب حتى المشيب .
ففى كل مرة أفاجأ بأن الجميع لا يقبل على تلكم الحوايج ، مثلما تسميها النساء ، وقبل أن تأخذ طريقها إلى سلة المهملات ، أجدنى التهمها وسط معارضة من حولى ، بادعاء أنى كبرت و الأجنحة كلها دهون وخطر على صحتى .
نسوا فى ذلك أن كل مراحل حياتى بنيت على أرجل وأجنحة ورقاب ، وأننا قادرون على قهر السمنة والكرستيرول وكل ما يهابونه .
جيل تعود الشقاء ، أو قل تعود عليه الشقاء ، فصارا إلفين ، لا نعتد بصعب ، ولا نقهر بطعام .
ورجعت بذاكرتي إلى المرأة صاحبة الأجنحة ،
وقلت بل هى من جيلى ،
إذن كلى واشربى وقرى عينا ، لك الرضا من ربك ما رضيتى ، ولا تحفلى بمن حولك.