بقلم: أ. أحمد الاسيوطى
– الحمدُ لله رب العالمين، خلقَ الكونَ بقدرتِه، وأبدعَ كلَّ شيءٍ بحكمتِه وعظمته.
“لهُ ما في السمواتِ والأرضِ كلٌّ له قانتون * بديعُ السمواتِ والأرضِ وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون”.
سُبحانه! “يُمسكُ السمواتِ والأرضَ أن تزولا ولئِن زالتا إن أمسكهما مِن أحدٍ مِن بعده”.
سبحانه! الأمرُ أمرُه، والحُكمُ حُكمُه، والمُلكُ مُلكُه، “بيده الأمرُ وهو على كلِّ شيء قدير”.
– وأصلِّي وأسلّم على البشيرِ النّذيرِ، خيرِ مَنْ صبر، وخير مّنْ شكر، وخيرِ مَنْ رضِي بالقضاءِ والقدر.
أمّـا بـعـــد…..
جعل الله البلاءَ سنّة مِنْ سُننِه الكونيّة، وجُندًا مِنْ جُنودِه التي لا يعلمها إلّا هو، فالبلاءُ مِنْ صُنعِ الله يُصيبُ به مَن يشاءُ ويصرفه عمّن يشاء، والوباءُ فتنة يختبر الله به عباده.
– قال تعالى:
“ونبلوكمْ بالشَّرِّ والخيرِ فتنة وإلينا تُرجعون”.
* أسباب البلاء:
1- امتحانٌ واختبارٌ وتمحيصٌ لعباد الله المؤمنين:
– قال تعالى: “وتلكَ الأيّامُ نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحبّ الظالمين * وليمحِّصَ الله الذين آمنوا ويمحقَ الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين”.
2- غضبٌ وعقابٌ من الله للطّغاةِ والظالمين والعصاة والمذنبين:
– قال تعالى: “وكذلك أخذُ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليمٌ شديد”.
– وقال تعالى: “ظهر الفسادُ في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقَهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”.
– وقال تعالى: “الذينَ طغَوْا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصبّ عليهم ربّك سَوط عذاب * إنّ ربّك لبالمِرصاد”.
* إنّنا نمُرُّ في هذه الأيام العصيبة بمحنةٍ أليمة، وابتلاءاتٍ جسيمة، بسببِ (فيروس كورونا) المدمّرِ الخطيرِ ، الذي أصابَ معظمَ شعوبِ العالم، فعمّ الخوفُ والهلعُ كلَّ مكان، وانتشر المرضُ بين الناس، ولقيَ بعضُ الأحياء حتفَهم، ورُبّما يتوقّعُ البعضُ إصابتَه أو موتَه في أيّ لحظة.
* إذًا .. فما الحل؟ وكيف النجاة؟
“ليس لها من دونِ الله كاشِفة” فلا مأمنَ ولا ملجأ ولا منجَى مِنَ الله إلا إليه، فهو وحده المُغيثُ والمُنقِذ، وهو وحده الذي “يُدبّرُ الأمرَ يُفصِّلُ الآياتِ لعلكم بلقاء ربّكم توقنون”.
“امّنْ يُّجيبُ المُضطرّ إذا دعاهُ ويكشِفُ السُّوءَ ويجعلكم خلفاءَ الأرض، أإله مع الله قليلا ما تذكّرون”.
“الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يُطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يُميتني ثمّ يُحيين * والذي أطمعُ أن يغفرَ لي خطيئتي يومَ الدّين”.
من هُنا وجبَ علينا أن نعودَ إلى رُشدنا، وأن نتوبَ إلى الله (تعالى)، وأن نُصلح ما بيننا وبين الله، وما بيننا وبين أنفسنا، وأن نجلس مع أنفسنا جلسة المحاسب النادم المؤنِّب؛ لأنّه “لا ينزلُ بلاءٌ إلا بذنب، ولا يُرفعُ إلا بتوبة”.
يقول أميرُ المؤمنين عُمر: “حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبلَ أن توزنَ عليكم واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطّاكم إلى غيرِكم وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حِذركم”.
* ظروف استثنائيّة:
نحن الآن في ظروف استثنائيّة، حيث توقّفتْ عجلة الحياة، وتعطّلت المصالحُ والمؤسسات والأعمال الخاصة وغيرُها، وأصبح عمال اليوميّة لا عمل لهم، وصارتْ مُعظمُ الأسرِ تعاني قلّة المالِ والزاد، وتشكو الفقرَ والحاجة؛ لذا يأتي دورُنا جميعًا تجاه إخواننا ومجتمعنا، فإذا كان المسئولون عن الصحة والطب والتمريض يواصلون الليل بالنهار، ويقومون بدورهم في علاج المرضَى ومحاولةِ القضاءِ على هذا المرضِ الخطير، وإذا كان رجال الأمن والمسئولون يقومون بدورهم للحفاظ على السلامة وتوفير الأمن، فنحن لا بدّ أن نشاركَهم في أن نقوم بدورِنا، فالمشاركة المجتمعيّة واجبٌ دينيّ ووطنيّ وإنسانيّ.
فعلينا إذًا .. تنفيذ تعليماتِ وإرشاداتِ المسئولين، ومدّ يد المساعدةِ للمحتاجين من الفقراء والمساكينِ والأيتام وغيرهم، والعمالِ الذين انقطعت بهم السبل وتوقف نشاطهم.
والله أسأل أن يفرّج الكرب والهمّ، وأن يرفع مقته وغضبه عنّا،إنّه نعم المولى ونعم النصير.